Mohamed Zaanoun/Middle East Images/AFP via Getty Image
13 تشرين الأول/أكتوبر، 2023 - سلافوي جيجك
الكاتب الهوليودي بن هيكت كتب في الأربعينيات "رسالة إلى إرهابيي فلسطين" تقول:
"أصدقائي الشجعان. قد لا تصدقون ما أكتبه لكم، لأن هناك الكثير من الهراء والتضليل في الأجواء العامة في هذه اللحظة. إن يهود أمريكا معكم".
ليوبليانا - ينبغي ودون أي شروط إدانة الهمجية التي أطلقتها حماس على إسرائيل، ودون أي تردد أو تلعثم. لقد كانت المذابح والاغتصاب واختطاف المدنيين من القرى والكيبوتسات والمهرجان الموسيقي بمثابة مذبحة، مما يؤكد أن الهدف الحقيقي لحماس هو تدمير دولة إسرائيل، بل وتدمير جميع الإسرائيليين. ولكن هذه الوقائع تتطلب مع ذلك سياقا تاريخيًا، دون الدخول في مجال التبريرات، بل لتوضيح ما سوف يحصل مستقبلًا.
الاعتبار الأول هو اليأس المطلق الذي يطبع حياة معظم الفلسطينيين. ولا بد أن نتذكر زخم الهجمات الانتحارية المنعزلة على شوارع القدس قبل عقد تقريبا. إذ يقترب فلسطيني عادي من يهودي، ويسحب سكينا، ويطعن الضحية، وهو يعلم تمامًا أنه سيُقتل على الفور. ولم تكن هناك أي رسالة في هذه الأعمال “الإرهابية”، ولم يصرخ أحد "فلسطين حرة". ولم تكن هناك أي منظمة أكبر وراء هذه الهجمات. كانت مجرد أفعال فردية ناتجة عن اليأس المخيف.
وقد تحولت الأمور إلى الأسوأ عندما شكّل بنيامين نتنياهو حكومة جديدة بالتحالف مع أحزاب اليمين المتطرف والمؤيدين للاستيطان والتي تدافع علناً عن ضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية. ويعتقد وزير الأمن القومي الجديد، إيتمار بن غفير، أن "حقي، حق زوجتي، وحق أطفالي في التنقل بحرية [في الضفة الغربية] أهم من حق العرب". هذا هو الرجل الذي سبق أن منع من الخدمة العسكرية بسبب انتماءاته إلى أحزاب متطرفة معادية للعرب اعتبرت منظمات إرهابية في أعقاب المجزرة التي ارتكبت بحق العرب في الخليل في عام 1994.
وبعد فترة طويلة من افتخار إسرائيل بوضعها باعتبارها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، تتحول إسرائيل في ظل حكومة نتنياهو الحالية إلى دولة دينية. تنص قائمة "المبادئ الأساسية" التي وضعتها الحكومة الحالية على ما يلي: "يتمتع الشعب اليهودي بحق حصري وغير قابل للتصرف في جميع أجزاء أرض إسرائيل. وسوف تشجع الحكومة وتطور استيطان جميع أجزاء أرض إسرائيل - في الجليل، النقب، الجولان، ويهودا والسامرة".
لذلك من العبث في مواجهة كل هذا أن نلوم الفلسطينيين على رفضهم التفاوض مع إسرائيل، فالبرنامج الرسمي للحكومة الحالية يزيل خيار المفاوضات عن الطاولة. وسوف يصرّ بعض المنظرين لنظرية المؤامرة أن حكومة نتنياهو لابد وأن تكون قد علمت أن هجوماً ما كان قادماً، نظراً لقوة قدرات إسرائيل في مجال المراقبة وجمع المعلومات الاستخبارية في غزة. قد تخدم الهجمات بالتأكيد مصالح المتشددين الإسرائيليين في السلطة الآن، إلا أنها تلقي أيضاً بظلال من الشك على ادعاء نتنياهو بأنه "مستر سيكيوريتي".
وعلى أية حال، ليس من الصعب أن نرى أن كلا الجانبين، حماس وحكومة إسرائيل القومية المتطرفة، يعارضان أي خيار للسلام. وأن كلًا منهما ملتزم بالكفاح حتى الموت.
ويأتي الهجوم الذي شنته حماس في وقت شهدت فيه إسرائيل صراعاً كبيراً، بسبب الجهود التي تبذلها حكومة نتنياهو لاقتلاع السلطة القضائية. وبالتالي فإن البلد منقسم بين الأصوليين القوميين الذين يريدون إلغاء المؤسسات الديمقراطية وحركة المجتمع المدني التي تدرك هذا التهديد، ولكنها لا ترغب في التحالف مع المزيد من الفلسطينيين المعتدلين.
عُلّقت الآن الأزمة الدستورية التي تلوح في الأفق، وأعلن عن حكومة وحدة وطنية. إنها القصة القديمة ذاتها: نتغلب على الانقسامات الداخلية العميقة والظاهرية الوجودية فجأة بفضل عدو خارجي مشترك. هل يجب أن يكون هناك عدو خارجي لتحقيق السلام والوحدة في الداخل؟ كيف يمكن للمرء كسر هذه الحلقة المفرغة؟
الطريق الواضح في المستقبل كما يشير رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، هو محاربة حماس والتواصل في الوقت نفسه مع الفلسطينيين غير المعادين للسامية والمستعدين للتفاوض. وإن هؤلاء الفلسطينيون موجودون بالفعل، وعلى عكس ما يدعيه المتطرفون القوميون الإسرائيليون. لقد وقّع أكثر من مائة من الأكاديميين والمفكرين الفلسطينيين رسالة مفتوحة في 10 أيلول/سبتمبر حيث "رفضوا رفضاً قاطعاً أي محاولة للتقليل من معاداة السامية أو تشويهها أو تبريرها، أو الجرائم النازية ضد الإنسانية، أو التنقيح التاريخي للمحرقة".
وبمجرد أن ندرك أن الإسرائيليين ليسوا جميعهم من القوميين المتعصبين، وأن الفلسطينيين ليسوا جميعهم معاديين للسامية، نستطيع الاعتراف باليأس والارتباك اللذين يؤديان إلى انفجارات قوى الشر. ويمكننا أن نبدأ في رؤية التشابه الغريب بين الفلسطينيين، الذين حرموا من وطنهم، واليهود، الذين يتسم تاريخهم بالتجربة نفسها.
وينطبق هذا المثال أيضًا على مصطلح "الإرهاب". فخلال فترة الكفاح اليهودي ضد الجيش البريطاني في فلسطين، كان "الإرهاب" يحمل معنى إيجابيًا. وقد نشرت الصحف الأمريكية في أواخر الأربعينات إعلاناً بعنوان "رسالة إلى إرهابيي فلسطين"، حيث كتب الكاتب السينمائي في هوليوود بن هيكت، "أصدقائي الشجعان. قد لا تصدقون ما أكتبه لكم، لأن هناك الكثير من الهراء والتضليل في الأجواء العامة في هذه اللحظة. إن يهود أمريكا معكم".
ومن عباب غبار الجدل حول تحديد تعريف الإرهابي، هناك كتلة من العرب الفلسطينيين الذين عاشوا لعقود في حالة من التيه، فلا يدركون حقًا من هم، وأين هي أرضهم. هل هم سكان "الأراضي المحتلة" أم "الضفة الغربية" أم "يهودا والسامرة"، أم ... دولة فلسطين التي يعترف بها ١٣٩ دولة، وكانت دولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة منذ عام ٢٠١٢؟ ولكن هل تعامل إسرائيل التي تسيطر على الأراضي الفعلية الفلسطينيين كمستوطنين مؤقتين، كعائق أمام إقامة دولة "طبيعية" يهودها هم الوحيدون الذين يعيشون في أرضهم الأصلية. فالفلسطينيون يعاملون بكل تشدد بوصفهم مشكلة. لم تبادر دولة إسرائيل على الإطلاق بمد يدها إليهم، ولم تمنحهم سرابًا من الأمل، ولم تحدد دورهم في الدولة التي يعيشون فيها.
إن حماس والمتشددين الإسرائيليين مجرد وجهين لعملة واحدة، والخيار ليس بين إحدى الفصائل المتشددة أو الأخرى؛ بل هو بين الأصوليين على كلا الجانبين وجميع الذين ما زالوا يؤمنون بإمكانية التعايش السلمي. إذ لا يمكن أن يكون هناك مقارنة بين المتطرفين الفلسطينيين والإسرائيليين، الذين ينبغي النضال ضدهم من خلال الدفاع الكامل عن حقوق الفلسطينيين والذي يسير جنبًا إلى جنب مع الالتزام الثابت بمكافحة معاداة السامية.
إن كلا النضالين مرتبطين ببعضهما البعض مهما بدا هذا طوباويًا. ويمكننا، بل وينبغي لنا، أن ندعم دون شروط حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الهجمات الإرهابية. ولكن علينا أيضًا أن نتعاطف بدون شروط مع الظروف البائسة والمزرية حقًا التي يواجهها الفلسطينيون في غزة والأراضي المحتلة. وإن من يحول فعليًا دون التوصل إلى حل هو أولئك الذين يعتقدون أن هناك "مفارقة" في هذا الموقف.