08 Jan
08Jan

في محبة زفيزدان: المصور الفوتوغرافي والفنان والصديق المحبوب

| سيباستيان تانتي بورلو|

ترجمة: عماد الأحمد


 زفيزدان ريليتش


 يتذكر سبباستيان تانتي بورلو بعد وفاة المصور والفنان المحبوب حياته وحيوات الذين كان جزءًا من حياتهم على طول الطريق. "يمكن للفن أن يفطر قلبك، أم الفن الهابط فيمكن أن يجعلك غنيًا" – زفيزدان ريليتش (1961-2023)

كان لزفيزدان ريليتش من اسمه نصيب حقًا. فقد عاش زفيزدان وفيًا لاسمه الذي يعني "الشمس" في السلافية بكل طريقة سماوية متخيلة. فقد جذب إليه البشر من جميع الخلفيات والمشارب من خلال شخصيته الجذابة ووفر لهم الدفء والطاقة التي لا تنتهي. ما على المرء سوى قراءة المرثيات التي كتبت عنه أو حضور حفل تكريمي له بعد رحيله ليدرك مقدار الحب الذي منحه هذا الفنان للكون. 

 مثّل زفيزدان أشياء كثيرة لأشخاص مختلفين: كان أبًا وصديقًا وزوجًا ومصورًا وناشرًا وأخًا وملاكمًا ودادائيًا وفنانًا وحبيبًا وكاتم أسرار .... أما بالنسبة إلي فقد كان زفيزدان يمثل Kum والتي تعني الأب الروحي باللغة الصربية أو الأخ الشقيق من نفس الدم، و ziju tar-rispetto العم المحترم بالمالطية.

زفيزدان يعد القهوة. Photo: Emma Mattei

 زفيزدان يعد القهوة. Photo: Emma Mattei 


لقد قيل الكثير بالفعل عن حياة زفيزدان وإنجازاته، ولا بد من كتابة المزيد. كان زفيزدان حين وفاته الرئيس المحبوب للتعاونية الفنية كيشوت، والمؤسس المشارك لدار نشر "إيد بوكس"، وكان قد اختتم قبل بضعة أشهر فقط معرضًا منفردًا ناجحًا بعنوان JA، JA، JA! في آر. غاليري. وكان كان أثناء مساعدته لي في معرضي الأخير في أكتوبر، يقوم بصياغة ومناقشة مشاريع الطباعة والنشر الجديدة. كان مشغولًا دائمًا، وتطورًا دائمًا، ولكنه يتمتع دائمًا بالإصرار. 

مالطا 

ولد زفيزدان في عائلة من المهندسين المعماريين والمهندسين في عام 1961 في يوغوسلافيا، وتخرّجَ من مدرسة بلغراد للفنون التصويرية في عام 1983، حيث درس الاستنساخ الفوتوغرافي. وعاد إلى بلغراد حيث عمل في مطبعة أحد الأصدقاء، بعد 15 شهرًا من الخدمة العسكرية الوطنية في الجبل الأسود، وبحلول سن 26 عامًا، أنشأ استوديو التصوير والطباعة الخاص به.

 تزوّجَ زفيزدان من ياسمينا وكانا قد أنجبا بالفعل ولديهما تيودور وجوفان، عندما مزقتِ الحرب يوغوسلافيا الحبيبة في أوائل التسعينيات، مما أجبره على المغادرة والعثور على مكان آمن له ولعائلته الصغيرة. واستقر أخيرًا في مالطا بعد فترة قضاها في التنقل بين لندن وليبيا وسويسرا. أحضر لاحقًا ياسمينا والطفلين إلى الجزيرة الصغيرة، حيث ستولد ابنتهما تُيا.

Mummerie No.6 by Zvezdan Reljić

 Mummerie No.6 by Zvezdan Reljić 


عمل كل من زفيزدان وياسمينا بلا كلل متمتعين بروح مبادرة عالية وبعزم شديد لتأمين حياة أسرية لائقة وآمنة للعائلة الشابة. عملت ياسمينا خياطة ومصممة أزياء ناجحة، واشتغل زفيزدان في وظائف متعددة في الطباعة والنشر والتصميم. وقد وجدوا أخيرًا منزلًا في "بانوراما فلاتس" في سليمة، والذي سيصبح مقرًا لعائلة ريليتش. 

لطالما صادفت خلال نشأتي في مالطا معظم أفراد أسرة ريليتش كل على حدة، ولكنني عندما أصبحت صديقًا لزفيزدان عرفت أن هؤلاء الأفراد الفريدين المميزين ينتمون جميعًا إلى العائلة نفسها.

 كنت في التاسعة عشرة من عمري عندما قابلت زفيزدان لأول مرة أثناء اشتراكي في إيصال مجموعة من المتحدثين الكبار الذين أصبحوا رؤسائي في العمل لاحقًا إلى بانوراما فلاتس. صعدنا الدرج إلى الشقة رقم 3 وفُتح الباب وظهر رجل وسيم بحاجبين أسودين سميكين. قادرنا جميعًا للجلوس بعد تعارف قصير ثم سألني بالمالطية بنبرته السلافية المحببة: “?trid kafè, xbin” كانت هذه تجربتي الأولى لمهاراته الشهيرة في تحضير القهوة.

زفيزدان وعائلته

زفيزدان مع العائلة 



  في عام 2010، تعرضت العائلة الشابة إلى مأساة كبرى فقد عانت ياسمينا من سكتة دماغية مفاجئة سقطت على إثرها في غيبوبة لم تستيقظ منها أبدًا. وتوفيت في عام 2020.

 وربما خلال هذه الفترة من النسيان البشري عاد زفيزدان إلى عشقه للتصوير الفوتوغرافي. فحوّل مشغل الخياطة الخاص بزوجته العزيزة في شقتهما إلى استوديو للتصوير الفوتوغرافي وغرفة تحميض للصور، الخطوة التي شكلت دون علمه أو قصده فترة التحول في المجتمع الفني المالطي.

 في غرفة التحميض

  بدأ زفيزدان في عام 2014 مع المصور ديفيد بيزاني بإجراء ورش عمل للتصوير التناظري مع "بانوراما فلاتس". حالفني الحظ لأكون واحدًا من الذين اشتركوا في ورش العمل هذه، حيث تعلمنا تقنيات الكاميرا، ومبادئ الضوء والتكوين، والفن السحري لتحميض الصور في غرف التحميض وطباعتها. 

كان كل لقاء يبدأ بعبارة: ? Haw’ xbin, trid kafè" كان الجميع يقول "نعم" ليختفي زفيزدان في مطبخه ويحضّر وصفتَهُ الخاصة للقهوة التركية. وكنا نسمع في كثير من الأحيان شتائم باللغة الصربية أو المالطية أو الإنجليزية لأنه قد أحرق قدرًا آخر من أواني القهوة الثمينة لديه لأنه كان سيحرق ركوة أخرى من ركوات القهوة cezve الثمينة لديه.

Nude No.32 by Zvezdan Reljić

 Nude No.32 by Zvezdan Reljić


 لطالما غصّت الطاولة بكاميرات أفلام قديمة مقاس 35 مم وأوراق التلامس وقطع من أشرطة أفلام نيجاتيف وصور مطبوعة. قد تثير القهوة المتجمعة في أسفل الأكواب قراءات مختلفة جدية أحيانًا ومرجة أحيانًا أخرى، ولكنها ممتعة على الدوام. لقد تنامت صدقاتنا حول هذه الطاولة وفي مختبر التحميض. 

أخذني بوصفه مُرشدي الأول مع عدد لا يحصى من الفنانين الشباب الآخرين تحت جناحه. وقد علَّمَنا بحماس حيله الخاصة في الطباعة والتحميض. لقد جعل الأضواء الخفيفة والمواد الكيميائية تتراقص تحت الوهج الأحمر لغرفة التحميض لديه. لطالما ناقش زفيزدان الأفكار والمشاريع بشغف. لم يقلل أبدًا من قيمة عمل أي شخص كان، ودائمًا ما كان يبحث عن أي شيء جيد في أي صورة ويتحدث عنه. كان يشجعنا دائمًا على الاستكشاف، والطموح وبذل أقصى جهودنا، ولكن أهم ما شجعنا عليه العمل على أن نكون دائمًا في حالة إبداع لا ينتهي. 


كرمه الذي لا يعرف حدودا 

ولن تجد زفيزدان في السنوات التالية سوى في حالة الإبداع المستمرة تلك. 

كان دائمًا هناك متمترسًا في الاستوديو الخاص به، أو خلف جهاز الكمبيوتر، يلف أشرطة النيجاتيف، وأوراق طباعة الصور، وينشر مشاريع جديدة لأصوات شابة سوف تغدو معروفة لاحقًا. 

أصبحت "بانوراما فلاتس" بؤرة إنتاجه الإبداعي، الذي فتحه بكرم وسخاء للعديد من الناس، والذين كان معظمهم ينتهي أمام كاميرته الكوداك آر أكس. لم يكن كرمه يعرف حدودًا، وكان دائمًا مستعدًا بنكتة سلافية ما، حتى لو كانت عن نفسه وتنطلق القهقهات. ولكن لطالما كان هناك حزن ما خلف عينيه الرائعتين حتى في أكثر اللحظات سعادة. فقد كانت خسارته لحبيبته ياسمينا واضحة على الدوام في عينيه.


Wiċċna No.143: Fattima Mahdi by Zvezdan Reljić

 Wiċċna No.143: Fattima Mahdi by Zvezdan Reljić 


كان أطفاله بحلول ذلك الوقت قد انتقلوا من المنزل وأخذ يجلب أشخاصًا آخرين ليشغلوا غرفهم لفترات قصيرة وأحيانًا لفترات أطول. سوف يكون هناك دائمًا شخص ما مختلف يجلس على طاولة زفيزدان.

 وبسبب الطبيعة المتغيرة للغاية لطريقة الحياة هذه ظهر مشروع "وجوهنا Wiċċna" والذي كان عبارة عن مجموعة من 228 صورة فوتوغرافية، صورها زفيزدان وطبعها يديويًا، في عام 2019. ركّز هذا المشروع على الأفراد من مختلف الخلفيات والأجيال والأعراق الذين يقيمون حاليًا في مالطا، مصحوبًا بتعليق قصير مأخوذ من إجابة الفرد على السؤال المعقد في كثير من الأحيان، "من أين أنت؟" كان زفيزدان يجيب على هذا السؤال بابتسامة ساخرة قائلًا: "يوغوسلافيا". 

حياة كيشوتية  

أسس زفيزدان في عام 2013، دار النشر "إيد بوكس EDE Books"، وهي دار نشر مستقلة مع المصور الكبير وصديقه القديم ديفيد بيزاني، والتي سوف تستمر لاحقًا بالتعاون مع الشاعر أنطوان كسار. لقد نشروا العديد من الكتب وكتالوجات الصور الفوتوغرافية، والروايات والقصص القصيرة والقصائد. 

فازت EDE Books بثلاث جوائز وطنية للكتاب عن كتاب " أربعون يومًا Erbgħin Jum" لأنطوان كسار (2018)، و"تنويعات الصمت Varjazzjonijiet tas-Skiet" لنادية ميفسود (2022)، ومؤخرًا كتاب "مارتا مارتا Marta Marta" للوران فيلا (2023). 


Zvezdan and Imogen

Zvezdan and Imogen 


سوف تكون إيد بوكس على الدوام في كل معرض وطني للكتاب يديرها زفيزدان، كنجم لامع مهما كان الوضع كئيبًا.

 افتتحت تعاونية "كيشوت" في عام 2019، كجمعية تعاونية ثقافية ومكتبة وبار في مدينة الموستا. حارب زفيزدان بصفته مؤسسة الجمعية بمساعدة الأصدقاء والعائلة طواحين الهواء التي بدأت بكوفيد وصلت إلى الإفلاس لإبقاء هذا الفضاء الفني مفتوحًا. وأقد أصبح مجددًا موازيًا لـ"بانوراما فلاتس" من نواح كثيرة. إذ يمكنك أن تحد زفيزدان يعمل أو يحضر القهوة هنا أو هناك. 

يمكن النظر إلى حياة زفيزدان من خلال سلسلة من التعاونات، آخرها كان مع إيموجين مان. كنت وزفيزدان قبل قبل عام واحد فقط نتشارك مشروبًا أعده هو في كيشوت، ثم قال فجأة: " I’m in love xbin”. نظرت إليه مدهوشًا وقد كانت عيناه مشرقتان ووجهه باسمًا. "إنها تجعلني أشعر وكأنني مراهق" وأنهى الجملة بقهقهته المعتادة. وهكذا بدأ مع إيموجين الفصل التالي من العمل المكثّف والحياة. 

كان عام 2023 عامًا حافلًا بالأحداث بالنسبة لزفيزدان، منها معرضه الفردي JA, JA, JA! في آر. غاليري، وقد عرض فصلًا جديدًا من الأعمال الفنية لريليتش، حيث تميزت صوره الفوتوغرافية وحيله في الطباعة بالصراحة الدادائية. كما شهد هذا العام عددًا كبيرًا من مشاريع النشر، حيث نشرت إيد بوكس مجموعة جديدة من سلسلة الكتب الصغيرة Chapbooks، كل هذا مع إبقاء كيشوت يعمل على قدم وساق وإيموجين إلى جانبه. 

Zvezdan’s studio in Sliema

  Zvezdan’s studio in Sliema 


أسعدني حظي بقضاء معظم شهري سبتمبر وأكتوبر بحضوره حيث كنت أعمل في معرضي الفردي، والذي ساعدني خلاله في إعداد وطباعة كتالوج المعرض المجلّد يدويًا، وكل ذلك من خلال مشروعه الجديد "Štamparija Reljic". وكان يدعوني مع إيموجين إلى الغداء واستراحات القهوة بين كل لوحة وأخرى.

 وقد ذهبت إلى هناك مجددًا مرارًا وتكرارًا، وقضيت بسعادة بعض الوقت حول طاولة البلوط القديمة، نناقش مشاريع جديدة رغم غوصنا في أعماق مشاريعنا الحالية حينها. أبلغني زفيزدان أنه سوف يضطر للانتقال من بيته في "بانوراما فلاتس"، فقد كان المالكون يبيعون المبنى ليتم هدمه وبناء شقق جديدة. كانت هذه بمثابة نهاية حقبة كاملة، ولكن زفيزدان المثابر كان سعيدًا ويتطلع قدمًا إلى المرحلة التالية. 

لم نكنْ نعرفُ آنذاك أن المرحلة التالية ستعني بالنسبة إلينا أن نعيش بدونه. 

عانى قلب زفيزدان الكبير في منتصف ديسمبر من العام الماضي من نوبة قاتلة. وتوفّي محاطًا بعائلته، ولم يترك وراءه عددًا لا يحصى من الأصدقاء زحسب، بل ترك إرثًا من العمل ومساهمات لا حصر لها في تراث مالطا.

 إن قصة زفيزدان ليست مجرد قصة صراع مهاجر سعى لبناء منزل جديد، بل قصة حبٍّ وكافيين. 

سوف تملأ ضحكتك قلبي دائمًا. استرح هناك دائمًا بين النجوم، يا مرشدي زفيزدان Kum Z

زفيزدان في آر غاليري في سليمة

  زفيزدان في آر غاليري في سليمة 


تحيات إلى زفيزدان

 أنطوان كسّار

 رسمت وسائل الإعلام والكثير من الشخصيات قصة زفيزدان كقصة نجاح للمهاجرين، وهذا أمر جيد، ولكنه مختزلٌ تمامًا أيضًا. فالحقيقة هي أن زفيزدان كان "واحدًا منا" قبل أن يولد. لقد وضعتْهُ مكائد الدادائيين ومِحَنُ عائلتِه في متاهةٍ غريبةٍ قادتهم جميعًا إلى وطنهم الحقيقي.  واستمرت المصاعب، مما قوى من عزيمة زفيزدان ولكنه أضعف شيئًا فشيئًا قلبه السخي الكريم. لقد كان هناك عزاء كبير لنا أن نقرأ في العديد من الإشادات الفردية التي كتبت عنه كيف كان يكتشف الجمال الداخلي لكل صديق جديد ويبرزه حقيقة، وليس من خلال عدسة كاميرته فقط. كان زفيزدان عبارة عن تجسيد حيّ لفكرة التعاطف. فقد كان يقرأك ككتاب مفتوح دون إطلاق أي أحكام عليك على الإطلاق، رغم أنه لن يخجل من صفعك بالحقيقة المرة وذلك الحس الفكاهي العدمي الجاف عند الضرورة، لتطوِّرَ من نفسك.  لطالما توازى فهم زفيزدان العميق للكتب مع إدراكه الدقيق للطبيعة البشرية. 

 ولأجيب من يسألني إذا ما كانت "إيد بوكس" سوف تستمر، فمن السابق لأوانه بالنسبة إليّ أن أقرر. لدينا إرث رائع يمكننا البناء عليه، وهو عبارة عن ثلاث جوائز وطنية للكتاب، وخمسة عشر كتابًا في السنة، وإنجازاتنا في نشر أسماء وأصوات جديدة وواعدة، ولكنني أجد أنه من المستحيل تخيّل استمرار مشروع النشر بدون عين زفيزدان الفنية الناقدة ولمسته السحرية. كان العمل جنبًا إلى جنب مع زفيزدان، ومشاهدته يعلن ميلاد كتب كثيرة بيديه العاريتين، أكثر أهمية بالنسبة إلي من الكتب نفسها. لقد ذهبَ تواصُلنا العميق إلى أبعد ما هو أبعد من النشر بكثير. لقد كنت أتعاون وأحتفلُ وأكبرُ مع أخٍ أكبر. لم أكن لأتخطى فترة الاكتئاب ثنائي القطب الذي عانيت منه لولا الأيام الطويلة التي قضيتها بصحبة زفيزدان وإيموجين، في سليمة وفي جميعة كيشوت. 

 وهنا تخذلني اللغة حقًا. أشعر وكأنني يتيم، ومع ذلك لا يوجد لغة أعرفها تضم كلمة محددة تصف الثاكل الذي فقد أخًا مقرّبًا أو صديقًا لا يمكن نسيانه.  أشعر بالضياع التام، وبأنني أجوف من الداخل وعديم الفائدة. كانت لدينا خططٌ مثيرةٌ لعام 2024 وما بعده، وقد زارنتا عدادة الموت العمياء  Ċensa l-Mewt في وقت مبكر جدًا.

  وإذا ما كان هناك أي شيء يهدئ من مروعي في هذا المصاب فهو معرفة أن العامين الماضيين كانا من أسعد وأهنأ أيام حياة زفيزدان رغم وجود بعض المحن. لقد كان مغمورًا تمامًا بالحب والمودة، وقد ظهرت كل هذا عليه.  هكذا سوف أتذكر زفيزدان، روحًا كريمةً سخية مثقلة بالحب تشعّ إبداعًا خلّاقًا.   لقد أصبحت مالطا نصف فارغة بدونه.

Zvezdan cycling

  Zvezdan cycling


 ليزا جوين

 شكّل زفيزدان بمفرده المشهد الفني الخاص بالتصوير التناظري بالأبيض والأسود في الجزيرة؛ فالعديد من الأشخاص الذين يمتلكون كاميرات قديمة ويستعملونها، لا شك بأن هذه اللعنة قد أصابتهم هناك في شقة زفيزدان في سليمة، حيث كان يقدم ورش ودروس في الطباعة والتصوير الفوتوغرافي. سوف أتذكر زفيزدان على الدوام من خلال تصويره الكامل المتقن للجسد، للمناظر الطبيعية البشرية، ومن خلال قدرته الغريبة على صقل التفاصيل والانتباه إلى الفروق الدقيقة وإبرازها، لتأطير طرف ما، أو أي تغضن في الجسم، مما يؤدي في الكثير من الأحيان إلى تكوين "غامض" مجرد... كان النظر إلى صوره يثير شعورًا بالغرابة أو السخرية، وانعدام اليقين في التصوير مباشرة أثناء حصوله، والجذابة جاذبية مغناطيسية والفاتنة إلى الأبد.


 تشارلي كاوكي 

 ليس هناك أي قدر من التظاهر، هذا ما أحببته فيه. هذا ما أحببته في الحديث معه. خاصة عندما يتعلق الأمر بالحديث عن العمل. لقد غلفتْ لهجتُهُ العميقة والتي تبعثُ على الهدوء حماسَتَهُ الملهِمة شبه الطفولية للوسيط الذي يعمل من خلاله. لقد كان البطل الأفضل لكل شيء متعلق بالتصوير التناظري. ليس عليك سوى أن توجهي عدستك، وتلتقطي الصور. ما عليكِ إلا التقاط الصور فحسب. التقطي الصور واسمحي للمشاعر بأن تغمرك. شكرًا لك لتذكيري بهذا على الدوام. كان يرى أن الأمر برمته متعلق بعملية التصوير. بالإبداع. الإبداع دون التركيز على النتيجة النهائية وحسب. في عالم الجميع فيه مهووس بإتقان منشوره على انستغرام، بواسطة نقرة واحدة، ثم يبدأ بالمعارض المتتالية: كان زفيزدان يهتم بفعل الإبداع ذاته، وبإنتاج الأعمال التي تجعله يشعر. حتى لو لم يشاهدها أحد. إنها عملية الإبداع. لطالما قال إن التصوير الفوتوغرافي في رأيه كان شيئًا يراه بالأبيض والأسود، وقد بدا هذان اللونان "عدوانيان" بطريقة ما.  ولكن حتى لو كان دماغه التصويري يعمل بالأبيض والأسود، تبقى صوره مبهرة ببلاغة وحيوية نادرة فريدة من نوعها. 

 لطالما أخبرني أنه ربما لم يعرض سوى 10 في المئة من عمله. كان يرمي أشرطة النيجاتيف في الدرج ليوم أو شهر أو لسنة. وعندما يعيد اكتشافها لا يسحب هذه الصور بسبب الحنين إلى الماضي، بل إعادة إبداع شيء جديد منها: ربما كان شيئًا بعيدًا كلّ البعد عن نيته الأصلية عندما التقطها. إنها العملية الإبداعية. أشكركَ على تذكيري بهذا دائمًا.

 وهكذا عاش. دون أي امتيازات فقد كان شخصًا يفهم تمامًا أن الحياة في بعض الأحيان تعترض طريقك وتُكبّلكَ، ولكنك تستطيع دائمًا الاستمرار في الإبداع. 

 لقد جعلتني أشعر بالتوافق مع نفسي والفخر بها.

 سوف أفتقد روح الدعابة البلقانية السوداء الحادة التي تبدأها بالتهكم على ذاتك، والتي تبقى مضحكة دائمًا.  مثل تلك الكأس الأولى من الراكيا (العرق): ربما تكون في البداية قوية وحادة، ولكنها حلوة ودافئة في طريقها إلى المعدة.

 نخبك يا زفيزدان. نخبك يا زفيللي. 

زفيزدان في أيام شبابه

زفيزدان في أيام شبابه 

كيم زموت

 لقد أعطاني زفيزدان أول كاميرا تصوير امتلكتها في حياتي. وقد جعلني أقيم في منزله لثلاث سنوات عندما كنت بحاجة إلى مكان أعيش فيه، واشترى لي بيتزا هت ونوتيلا عندما مررت بفترات الحزن، وهدد بضرب أي شخص يؤذيني بلكنة هندية مضحكة، ولطالما عانقني لفترة طويلة في الصباح لأنه "قد ثبت علميًا أن العناق لأكثر من 30 ثانية يجعلك أكثر سعادة"، وكان يأخذني إلى العيادة كل يوم لمدة شهر بعد الجراحة ومشى معي ببطء عندما لم أتمكن من المشي بسرعة. لقد كان زفيزدان معلمي، وأعز أصدقائي، والصديق الذي كان يرسل إلي الصور الساخرة السلافية، وعرفني على الأفلام التي أصبحت أفلامي المفضلة لاحقًا، كان يتمتع بشخصية الأب، وشريك شقتي الغاضب، لقد كان عائلتي حقًا.


نشرت هذه المقالة التكريمية في جريدة تايمز أوف مالطا

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.