تصعيد العنف قد يؤدي إلى الصدام بين إسرائيل وإيران
داليا كاسا كاي 19 أكتوبر 2023 ترجمة: عماد الأحمد
توقع العديد من المراقبين في البداية بعد أن شنت حماس هجومها المروع على إسرائيل في 7 أكتوبرأن تظل الحرب صراعًا محدودًا بين إسرائيل وحماس. هناك العديد من الأسباب لدى كل من إسرائيل وإيران والولايات المتحدة لتجنب حرب موسعة. فإسرائيل مشغولة بردها العسكري في غزة، ومن المرجح أن إيران تريد تجنب صدام محتمل مع الولايات المتحدة، وواشنطن غير مهتمة بصراع إقليمي مزعزع للاستقرار من شأنه أن يعطل أسواق النفط، ويغذي التطرف، ويجذب الانتباه عن الحرب في أوكرانيا. ويواجه حزب الله، أهم حليف إقليمي لإيران، تحدياته الخاصة في لبنان، حيث يمكن أن تؤدي حرب جديدة مع إسرائيل إلى تعميق الأزمات السياسية والاقتصادية في البلاد. كما أن المنطقة بأكملها ليس لديها اهتمام كبير برؤية هذه الحرب تتصاعد. تواجه الدول العربية مثل الأردن ومصر بالفعل مشاكل اجتماعية واقتصادية حادة، والتي ستتفاقم بسبب وصول اللاجئين. ومن شأن الحرب الموسعة بالنسبة لدول الخليج أن تعطل مشاريعها الطموحة للتنمية الاقتصادية؛ كما يمكن أن تعرقل جهودها لإصلاح العلاقات الإقليمية المتوترة وإنهاء النزاعات المستمرة في ليبيا وسوريا واليمن. تواجه غزة بالفعل أزمة إنسانية حادة وسط قصف إسرائيلي غير مسبوق وتوقعات بتوغل بري، وهناك أجزاء كبيرة من إسرائيل هي عبارة عن أهداف لهجمات صاروخية منتظمة؛ لا يوجد لاعب خارجي يريد أن يجعل الوضع السيئ أسوأ. لكن الحجج المنطقية المؤيدة للاحتواء أصبحت أقل بديهية بعد الانفجار المدمر الذي وقع في 17 أكتوبر في المستشفى الأهلي في مدينة غزة، حيث لجأ عشرات الفلسطينيين النازحين. على الرغم من التفسيرات المتناقضة للتفجير وتقييم واشنطن بأن إسرائيل ليست مسؤولة عنه، فإن دولًا في جميع أنحاء المنطقة – تشمل البحرين ومصر والأردن والمغرب وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة - عزت الانفجار إلى غارة جوية إسرائيلية. اندلعت الاحتجاجات في مدن مختلفة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وقد ألغت عمّان مع تصاعد التوترات قمة تهدف إلى جمع القادة الأردنيين والمصريين والفلسطينيين مع الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد زيارته لإسرائيل. ولكن حتى قبل مأساة المستشفى، كان حجم هجمات حماس والحقائق على الأرض مع اندلاع الحرب في غزة يغير بالفعل الحسابات الاستراتيجية للجهات الفاعلة الرئيسية. إذ تجعل هذه التحولات التصعيد الإقليمي أكثر احتمالاً وترفع من حدة خطر المواجهة بين إيران وإسرائيل على نحو خاص. في مقابلة مع قناة الجزيرة في 15 أكتوبر، حذر وزير الخارجية الإيراني من أنه مع استمرار الحملة الإسرائيلية في غزة، "من المحتمل جدًا أن يتم فتح العديد من الجبهات الأخرى"، مضيفًا أنه إذا قررت إسرائيل "دخول غزة، فإن قادة المقاومة سيحولونها إلى مقبرة لجنود الاحتلال". وكرر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي مثل هذه التهديدات، مشيرًا إلى أنه لا ينبغي أن يكون هناك "أي توقع" بأن إيران ستمنع المسلحين إذا استمرت الهجمات الإسرائيلية على غزة. يفسر بعض الخبراء الإيرانيين هذه التصريحات على أنها مواقف سياسية أو مؤشر على أن إيران تنأى بنفسها عن تصرفات شركائها من المجموعات غير الحكومية، مثل حزب الله في لبنان والجماعات المسلحة الشيعية في العراق. لكن لا يمكن استبعاد احتمال وقوع اشتباكات إسرائيلية إيرانية مفتوحة، خاصة وأن الدعم العلني للقادة الإيرانيين لهجمات الميليشيات يضيّق مجال الإنكار. المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران ليست مجرد سيناريو افتراضي. كان الصراع بين الدولتين يحدث قبل فترة طويلة من الحرب الحالية بين إسرائيل وحماس. فقد انخرطت كل من إسرائيل وإيران وعلى مدى عقود في "حرب في الظل" على الأرض وفي الجو وفي البحر. وقد اشتدت تلك الحرب على مدى السنوات الخمس الماضية، في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018 ووسط التقدم في البرنامج النووي الإيراني. بدت وتيرة الهجمات المتزايدة وكأنها تصعيد تحت للسيطرة، حيث اعتقد كل جانب أن لديه القدرة على رسم الخط الأحمر قبل أن تصبح الأعمال العدائية خطيرة للغاية. ولقد عطلت الحرب في غزة الآن حساباتهم الدقيقة بالفعل. وكلما طال أمد الصراع، قلّت حوافز الاعتدال وزاد خطر اندلاع الصراع الإسرائيلي الإيراني.
مبررات الحذر
اتخذت الجهات الفاعلة الرئيسية في بداية الحرب بين إسرائيل وحماس مواقف هدأت المخاوف بشأن التصعيد الإقليمي. ركز القادة الإسرائيليون، الذين صدموا من حجم ووحشية أسوأ هجوم في تاريخ بلادهم، على وقف التهديد الإرهابي من غزة وهم يستعدون لرد عسكري. وعندما ذكرت وسائل الإعلام الغربية مثل صحيفة وول ستريت جورنال بعد يوم من الهجوم أن إيران "ساعدت في التخطيط" للهجوم، سارع مسؤولو الدفاع الإسرائيليون إلى رفض هذه الادعاءات. من المعروف أن إيران تقدم مساعدات مالية وكذلك مساعدات عسكرية وتدريب لحماس، لكن مسؤولي الدفاع الإسرائيليين سلطوا الضوء على عدم وجود أدلة تؤكد أي دور إيراني واضح في أحداث 7 أكتوبر. تبنى المسؤولون الأمريكيون إلى حد كبير نفس الخط. وعندما سئل جو بايدن في مقابلة في برنامج 60 دقيقة عما إذا كانت إيران وراء هجوم حماس، قال إنه "لا يوجد دليل واضح" على ذلك، مشيرًا إلى أن الحكومة الأمريكية ليس لديها أيضًا أي مؤشر على أن طهران كانت على معرفة مسبقة بخطط حماس. ونفت الحكومة الإيرانية أيضًا تورطها المباشر، على الرغم من أن قادة البلاد أشادوا علنًا بالهجوم وأعربوا عن تضامنهم مع حماس. ولكن هناك سبب للاعتقاد بأن إيران سوف تستمر في توخي الحذر رغم تزايد حدة الخطاب في جميع أنحاء المنطقة وارتفاع عدد ضحايا الحرب. يهتم القادة الإيرانيون، الذين يعانون من تراجع الشرعية المحلية والاقتصاد المتعثر، ببقائهم ولا يريدون المخاطرة بصراع مباشر مع الولايات المتحدة. كانت كلًا من طهران وواشنطن قبل هذه الحرب تركزان على الدبلوماسية، حيث أبرمتا اتفاقية محدودة لتبادل الأسرى أدت إلى إلغاء تجميد بعض الأصول الإيرانية. (أوقفت إدارة بايدن وقطر، حيث يتم الاحتفاظ بالأموال، وصول الإيرانيين إلى هذه الأصول في 12 أكتوبر/تشرين الأول). كان الهدف من نشر واشنطن لحاملتي طائرات في شرق البحر الأبيض المتوسط هو منع المزيد من التصعيد من خلال تحذير القادة الإيرانيين من أنه إذا دخلت إيران المعركة، فسترد الولايات المتحدة. كما أظهر حزب الله، حليف إيران، ضبط النفس النسبي في رده الأولي على الحرب بين إسرائيل وحماس، وشن هجمات صغيرة النطاق بدت مصممة لتجنب التصعيد الخطير. أخذت الرسائل العامة في الآونة الأخيرة من القادة الإيرانيين توحي بتأييد ضمني للجماعات المسلحة الإقليمية التي قد ترغب في الانضمام إلى الصراع - وقد تركوا الباب مفتوحًا للتدخل الإيراني المباشر. بدأ حزب الله في الأيام الأخيرة بإطلاق صواريخ مضادة للدبابات أكثر تطوراً على شمال إسرائيل، واختبار الخطوط الحمراء الإسرائيلية السابقة؛ وردّت إسرائيل بضربات مضادة على أهداف في جنوب لبنان. سيكون الرفع من وتيرة التصعيد على الحدود اللبنانية خطيرًا للغاية. يمتلك حزب الله قدرات عسكرية أكثر تقدمًا بكثير من حماس، بما في ذلك القدرة على إطلاق صواريخ أكثر دقة وقوة يمكن أن تصل إلى كل أنحاء إسرائيل. يمكن للقصف الصاروخي من حزب الله أن يطغى على الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية بسهولة أكبر حتى من أقوى الضربات التي تشنّها حماس. وقد أمرت إسرائيل بالفعل بإخلاء أكثر من عشرين بلدة بالقرب من الحدود، إما للتحضير أو في محاولة لمنع اندلاع جبهة ثانية عن طريق الحد من احتمال وقوع إصابات بين المدنيين. وكان المدنيون عبر الحدود في لبنان أيضًا يُخلون البلدات الواقعة في خط النار. إن فتح جبهة شمالية جديدة ليس حتميًا، فأولوية إسرائيل الآن هي حملتها في غزة، وهو جهد من شأنه أن يعقّد التصعيد على حدودها الشمالية. ويحذر حزب الله في الوقت نفسه من توسيع عملياته العسكرية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن حربًا شاملة بين حزب الله وإسرائيل يمكن أن تجتذب الولايات المتحدة. يواجه حزب الله ضغوطًا في الداخل أيضًا: لقد ملأ المتظاهرون الغاضبون من دور إسرائيل في مقتل المدنيين في غزة الشوارع في بيروت في الأيام الأخيرة، لكن السكان اللبنانيين لا يزالون محبطين أيضًا من مجموعة من الأزمات الداخلية الخطيرة التي لن يؤدي الاشتباك العسكري إلا إلى تفاقمها. وبالتالي، قد تكون الأهداف الرئيسية لهجمات حزب الله الأخيرة هي الإشارة إلى تضامنه مع حماس وتحويل الموارد عن جهود إسرائيل في غزة، وليس لفتح جبهة شمالية. قد لا ترغب إيران، من جانبها، في أن يخاطر حزب الله بالحرب من أجل غزة. التهديد بالانتقام من حزب الله عنصر حاسم في استراتيجية طهران لردع الهجمات الإسرائيلية واسعة النطاق التي يمكن أن تعرض بقاء النظام للخطر.
القنبلة الموقوتة
لكن الطريقة التي تغير بها الحرب الحسابات الأمنية في كل من إيران وإسرائيل تجعل من الممكن اندلاع صراع إيراني إسرائيلي صريح. ولقد تزايد خطر مثل هذا الصراع قبل بدء الحرب بوقت طويل. ومع اشتداد حرب الظل بين إسرائيل وإيران في السنوات الأخيرة، توسعت الضربات الإسرائيلية على القوات التابعة لإيران في سوريا لتشمل الأصول البحرية والعسكرية الإيرانية خارج إيران وداخلها، بما في ذلك الهجمات الكبيرة على المنشآت النووية الإيرانية. عكس هذا التقدم ما يسمى باستراتيجية "الأخطبوط" الإسرائيلية ضد إيران: بدءًا من العمليات ضد "المجسات"، أو القوات المدعومة من إيران في بلدان أخرى، والمضي قدمًا نحو "الرأس" داخل إيران. ومع تبني الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لهذه الاستراتيجية، أصبحت الهجمات الإيرانية على أهداف تابعة لإسرائيل، بما في ذلك سفن الشحن التجارية، أكثر جرأة رداً على ذلك. وقد بدا الجانبان قبل بدء الحرب الحالية واثقين من قدرتهما على السيطرة على التصعيد. ظلت ردود إيران على الاستفزازات من كل من الولايات المتحدة وإسرائيل- بما في ذلك اغتيال الولايات المتحدة لقائد فيلق القدس قاسم سليماني في يناير 2020 والضربات الإسرائيلية في سوريا وإيران مقيدة نسبيًا. وفسر القادة الإسرائيليون ضبط النفس هذا على أنه يعني أنهم نجحوا في ردع إيران عن إشعال صراع أوسع. أصبحت افتراضات إسرائيل حول إيران تشبه افتراضات ما قبل الحرب حول حماس في غزة: اعتقدت إسرائيل أنها يمكن أن تخفف بشكل دوري من قدرات خصمها -أي "جز العشب"- دون المخاطرة بالتعرض للانتقام الجاد أو خوض حرب أوسع. تملك الغرور والغطرسة القادة الإيرانيين أيضًا، فقد ازدادت ثقتهم في مكانة بلادهم الإقليمية حيث عززوا العلاقات مع روسيا وأصلحوا العلاقات مع معظم جيرانهم العرب، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، المنافس الرئيسي لإيران. أدى قمع طهران الوحشي للاضطرابات الداخلية بعد موجة من الاحتجاجات في خريف عام 2022 إلى زيادة ثقة الحكومة بنفسها. وكذلك التقدم الأخير على جبهة المفاوضات النووية. يُعتقد أن إيران قد وصلت إلى العتبة النووية بعد انهيار الاتفاق النووي لعام 2015، ولم يتطلب اتفاق تبادل الأسرى الشهر الماضي مع الولايات المتحدة من طهران تراجعًا كبيرًا عن برنامجها النووي. ربما اعتقدت إيران أن قدراتها الرادعة، بما في ذلك التهديد الذي تشكله قوات حزب الله لإسرائيل، ستسمح لها بعرض قوتها في جميع أنحاء المنطقة والحفاظ على موقفها النووي دون تكبد التعرض لرد إسرائيلي كبير. ويرجح أن الاحتجاجات واسعة النطاق ضد حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الأشهر الأخيرة قد عززت افتراض إيران بأن إسرائيل الضعيفة لن تتحدى استفزازاتها. كانت حقيقة اعتقاد كل من إسرائيل وإيران بأن كل منهما له اليد العليا تقود البلدين إلى طريق محفوف بالمخاطر. وقد تخيَّل كل جانب أنه يمكن أن يخدش الطرف الآخر على نحو دوري دون المخاطرة بتصعيد يخرج عن السيطرة. ربما انهارت الآن بعض الحواجز التي تحول دون الصراع الإسرائيلي الإيراني الصريح، فإذا أدت الحرب الحالية إلى هجوم واسع النطاق لحزب الله على إسرائيل، أو هجوم إسرائيلي كبير على حزب الله، أو هجوم أمريكي على المنشآت النووية الإيرانية، أو حدث آخر بحجم مماثل، فقد تسقط هذه الحواجز تمامًا. ويمكن لإسرائيل وإيران النظر إلى مثل هذه التطورات على أنها تهديدات وجودية، مما يجعل قادتهما أقل حذراً بشأن الصراع المباشر.
رمال متحركة
هذه النتيجة الكارثية غير مضمونة، لكن التفكير الحالي من كلا الجانبين يمكن أن يدفع الصراع نحو توسع خطير بدلاً من ضبط النفس. قد يرى القادة في طهران أن الحرب بين إسرائيل وحماس فرصة لإضعاف القدرات الإسرائيلية من خلال هجمات بالوكالة من لبنان أو سوريا أو لتشجيع استئناف هجمات الميليشيات على القوات الأمريكية في العراق وسوريا. وربما تكون هذه العمليات جارية بالفعل: في 18 أكتوبر، اعترضت الولايات المتحدة طائرات بدون طيار تستهدف قاعدة تتمركز فيها القوات الأمريكية في العراق. إيران، التي تصوغ أفعالها كرد على معاناة الفلسطينيين في غزة، قد تجعلها أيضًا تظن أنها قادرة على مواجهة إسرائيل أو حتى الولايات المتحدة دون خسارة علاقاتها الإقليمية والعالمية. والأهم من ذلك، يمكن لطهران أن تتوقع من شركائها من القوى العظمى البقاء خارج الصراع. حتى أن روسيا قد ترحب بزيادة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، معتبرة أن الحرب تصرف الانتباه عن عمليات النهب التي تقوم بها في أوكرانيا. من غير المرجح أن تتغاضى الصين عن التحركات الإيرانية التي تؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار الإقليمي، نظرًا لمصلحة بكين في الحفاظ على تدفق مستمر لنفط الشرق الأوسط إلى الصين. ولكن من غير المرجح أيضًا أن تتصرف بناءً على رفضها، خاصة إذا كانت تصرفات إيران تضعف موقف الولايات المتحدة. من وجهة نظر إيران، لم يتم الرد على الهجمات الإسرائيلية السابقة على الأهداف الإيرانية والتي ما تزال تتطلب ردًا. وقد يكون الآن هو الوقت المناسب لهذا الرد، مع تشتت انتباه إسرائيل وتعرضها للهجمات، وانكشاف نقاط ضعفها انكشافًا صارخًا من خلال هجوم حماس. وإذا كان قادة إيران لا يفكرون بالانتقام وحسب، بل في إمكانية أن توجه إسرائيل قوتها العسكرية نحو إيران بمجرد أن تنهي حربها في غزة، فقد تعتبر طهران العمل الوقائي ضرورة. قد يتوقع القادة الإيرانيون أن تؤدي أفعالهم إلى رد محدود، بالنظر إلى التحديات التي تواجهها إسرائيل حاليًا في غزة. ولكنهم سيقللون من قدرة إسرائيل وعزمها في أعقاب هجوم حماس المؤلم. اتحدت البلاد وراء تصميم مشترك على "كسب" هذه الحرب وإضعاف حماس، حتى مع استمرار غضب العديد من الإسرائيليين من حكومتهم لفشلها في حمايتهم. وإذا كان القادة الإيرانيون قلقين من أن تتوجه إسرائيل إلى إيران بعد ذلك، فقد يكونون على حق. أدى فشل إسرائيل في توقع هجوم حماس إلى قلب افتراضاتها حول كيفية التعامل مع الخصوم. إن فكرة أن العدو الذي يسعى إلى تدميرها يمكن "احتواؤه" أو "إدارته"- وهو الافتراض الذي وجّه حتى الآن سياسة إسرائيل تجاه حماس، قد فقدت مصداقيتها. إذا ركزت إسرائيل أنظارها على إيران، فقد تقرر ملاحقة رئيس "الأخطبوط" بضربات واسعة النطاق على أهداف حكومية داخل إيران، بما في ذلك المواقع الصاروخية والنووية والمواقع المرتبطة بالحرس الثوري الإسلامي. قد يعتقد القادة الإسرائيليون أن الطريقة الوحيدة لاستعادة الردع القوي لبلادهم هي مواجهة إيران بشكل مباشر وصريح. قد يؤدي الدعم العسكري القوي الذي تعهدت به إدارة بايدن لإسرائيل منذ بدء الحرب الحالية إلى زيادة ثقة المسؤولين الإسرائيليين في قدرتهم على الاعتماد على الدعم الأمريكي في حالة شن هجوم على إيران.
هل سينهار الوضع؟
يمكن أن تؤدي المزيد من المناوشات بين إسرائيل وإيران، ناهيك عن حرب واسعة النطاق، إلى زعزعة استقرار المنطقة، وتعطيل الأسواق العالمية، والتسبب في أضرار جسيمة للمدنيين، وجذب القوات الأمريكية، وربما حتى دفع إيران إلى تفعيل تسليح قدراتها النووية. لا ينبغي لحقيقة أن الحرب لم تنتشر بعد في جميع أنحاء المنطقة أن تخدع قادة العالم في تخيل أن التوسع في هذه الحرب مستحيل. فقد اضطربت الافتراضات الهشة والوهمية التي دعمت إسرائيل والديناميكية التصعيدية لإيران في النهاية عرضة للاضطراب فجأة بسبب الغضب أو سوء التقدير أو التحولات في الاستراتيجية. يبدو حتى الآن أن إدارة بايدن تتفهم المخاطر، وقد أعطت الأولوية محقة لاحتواء الحرب بين إسرائيل وحماس في حملتها الدبلوماسية خلال الأسبوع الماضي. ويبدو أن الإدارة بمساعدة الشركاء الإقليميين تتواصل مع إيران من خلال القنوات الخلفية. مثل هذا التواصل أمر بالغ الأهمية لتجنب سوء التقدير والتصعيد العسكري غير المرغوب فيه. والمشكلة هي أن هذا الصراع لن يظل تحت السيطرة إلا إذا كان لجميع الأطراف مصلحة في تجنب حرب إقليمية. يبدو أن هذا الشرط ما يزال قائمًا في الوقت الحالي، ولكن ليس هناك ما يضمن أنه سيصمد في المستقبل. الوضع على الأرض متقلب، وقد تؤدي التغييرات في الحسابات الاستراتيجية في إسرائيل أو إيران أو كلا البلدين إلى اعتقاد قادتهما بأن تجنب صراع أوسع يشكل خطراً أكبر على بقائهما من مواجهة بعضهما البعض في الحرب.
نشرت في مجلة فورين أفيرز https://www.foreignaffairs.com/israel/will-war-gaza-ignite-middle-east#author-info