تُرجم هذا الفصل من الكتاب الجماعي The Ottoman Middle East: Studies in Honor of Amnon Cohen وكتبه جاكوب م. لانداو
كان عزيز ضومط، الذي يفضل كتابة اسمه (Asis) ضومط، واحداً من الأدباء العرب القلائل الذين كتبوا يبشرون بالمشروع الصهيوني، على نحو يختلف عن جميع الكتاب العرب في نهايات الحقبة العثمانية وفي فترة ما بين الحربين العالميتين. أجريت منذ عدة سنوات بحثاً عن حياته ونشاطاته ونشرته في مقال مطول، لم أناقش في المقال كتابات ضومط المؤيدة للصهيونية. سأناقش هنا هذا الموضوع، بعد أن أقدم ملخصاً مختصراً عن حياته.
ولد ضومط لعائلة بروتستانتية في القاهرة في 25 حزيران 1890، ولكنه أمضى معظم حياته في القدس وفي حيفا، مع زيارات مطولة إلى ميونخ وبرلين وفيينا وبودابست (وزيارات قصيرة إلى سوريا والعراق ومصر). كان والده يعمل كدليل لدى مستوطنين ألمان في شرق أفريقيا، وهكذا تعرف على أساسيات اللغة الألمانية، وطور مهاراته اللغوية في المدرسة الألمانية في حيفا وفي مدرسة الأيتام السورية في القدس، ثم لاحقاً في أوروبا (حيث درس في جامعة برلين في عام 1920 وكتب مقالات للصحف الألمانية). كانت أغلب أعماله باللغة الألمانية ما عدا بعض الاستثناءات مثل مسرحية "آخر بني أمية Der Letzte Omajade " التي ترجمها أخوه أمين بلان عن الألمانية، والعديد من المقالات الصحفية باللغة العبرية (يرجى مراجعة الحاشية). كما عرضت أعماله المسرحية باللغة الألمانية أيضاً. مات ضومط في برلين في 27 تموز 1943. أمضى ضومط طيلة حياته يحاول بناء جسرين حضاريين، بين العرب والألمان، وبين العرب واليهود. يهمنا هنا هذا الجسر الأخير، مع التأكيد على وجهة نظر ضومط تجاه المشروع الصهيوني.
ظهرت علاقات ضومط مع الصهيونية في اهتمامه الشديد وتقربه دون أي تردد من القادة الصهاينة البارزين في فلسطين وفي الخارج، مثل ليب ياف (1876-1948)، والبريغادير فردريك كيش (1888-1943)، وأفيغدور حاميري (1890-1970) وإسرائيل زانجويل (1865-1926) الذي أَحبه شخصياً وأعجب إعجاباً شديداً بموهبته الأدبية وبتعاطفه مع اليهودية.
كتب ضومط أكثر من ثلاثين كتاباً، شعراً ورواية ومسرحيات، أغلبها طبعت على آلة نسخ الرسائل (المميموغراف). كان هذا أمراً معتاداً في مجال المسرح والدراما، حيث كان اهتمام الكتاب المسرحيين منصباً على أن يتم تمثيل مسرحياتهم على الخشبة (ونادراً ما كانت تطبع فيما بعد في كتب). ربما يشير بقاء معظم أعمال ضومط مطبوعة على الميموغراف إلى أن ضومط لم يتمتع بشهرة كبيرة، أو أنه لم يكن لديه خبرة كبيرة في عالم النشر.
يظهر تعاطف ضومط مع اليهود بوضوح في معظم مسرحياته وفي بعض مقالاته، ولكن دعمه لليهود في فلسطين وللصهيونية على وجه الخصوص ظهر في ثلاثة أعمال -مسرحيتان ورواية- كتبت جميعها في العشرينيات. وربما تشير حقيقة أنه قلص بطريقة أو بأخرى مدى تعبيره عن مشاعره المؤيدة للصهيونية إلى خيبة أمله من الصدى الذي حظيت به أعماله المبكرة، وربما تشير أيضاً إلى قلقه وإدراكه للعنف المتزايد في المشاعر المعادية للصهيونية بين السكان العرب الفلسطينيين خلال فترة الثلاثينيات (على الرغم من أنه لم يكن كاتباً سياسياً بل كان يصنف على أنه مهتم بالأدب التاريخي).
كُتبت مسرحية «جوزيف ترومبيلدور. دراما في ثلاثة فصول» في عام 1922 وطبعت على الميموغراف في عام 1924. تصف هذه المسرحية من خلال النثر الأنيق اليوم الأخير في حياة ترومبيلدور. تبدأ المسرحية بداية مميزة من خلال علاقة صداقة متخيلة بين اليهود والعرب، على الرغم من الجهود التي يبذلها "الضابط الأجنبي" (ربما تكون الإدارة البريطانية في فلسطين) للإيقاع فيما بينهم. بقي الشيخ العربي الشاب في المسرحية (عبد الرؤوف) على علاقة جيدة مع اليهود، على الرغم من تأليب العرب ضدهم وعدائهم وعلى الرغم من الحب الذي يكنه من طرف واحد لديبورا، الصبية اليهودية من منطقة تل حاي في الخليل، حيث تدور معظم أحداث المسرحية. كانت العلاقة الحميمة بين المستوطنين اليهود في تل حاي، والمشبعة بالرغبة في إعادة بناء بلدهم، أهم ما يميز الفصل الأول. تجري أحداث الفصل الثاني في كيبوتس قريب، كفر جلعادي، ويؤكد هذا الفصل على المشاكل الشخصية والوطنية التي تميز الحياة في الكيبوتس في تلك الفترة. يتم التحضير لحفلة خطوبة ترومبيلدور وحبيبته شالوميت، وتسمع أصوات عيارات نارية من جهة تل حاي، يسرع ترومبيلدور وأصدقاؤه إلى هناك للدفاع عن الحي. يصف الفصل الثالث بعض تفاصيل القتال مع "الغجر" (يبدو أن ضومط تعمد تجنب ذكر العرب). يهب عبد الرؤوف لمساعدة ترومبيلدور، ولكنهما يقتلان (هكذا يصور ضومط العلاقة الحميمة بين اليهود والعرب حتى الموت).
عرضت المسرحية في القدس في 3 كانون الثاني 1923 ثم عرضت لاحقاً في كراكوف وفي وراسو، كتب لها المقدمة إسرائيل زانجويل، الذي يصر على أن ضومط يحس بالعنصر الساميّ في دمه، العنصر الذي دفعه للدعوة للدفاع عن المشروع الصهيوني في فلسطين, وهكذا أصبح معبراً عن الكرم العربي. عبّر زانجويل عن أمله بأن تترجم المسرحية إلى العبرية وأن تعرض في القدس. حظيت المسرحية فيما بعد بمراجعات مميزة في الصحافة اليهودية في الواقع داخل فلسطين وخارجها.
كُتبت رواية Pillars of Fire: A Novel of Contemporary Palestine في عام 1923. حققت مسرحية «يوسف ترومبيلدور» القليل من الشعبية كونها عرضت على الخشبة، ولكن الرواية لم تحقق مثل هذه الشهرة، وبقيت مطبوعة على الميموغراف. أُخذ العنوان بالطبع من الكتاب المقدس. أهديت الرواية لحاييم وايزمان (1874-1952)، والذي أصبح فيما بعد رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، والذي يكن له ضومط الكثير من الاحترام.
يؤكد ضومط في مقدمة الرواية على أنها مستقاة بالكامل من الوضع الحقيقي في فلسطين، ولكنه أراد أن يؤكد أيضاً على الهداية الإلهية لشعبه. تبدأ الرواية بسرد حول هجرة مجموعة من اليهود إلى فلسطين. يعبّر الدكتور راغب، العربي المسيحي، عن محبته لليهود على السفينة، شخصية موازية لشخصية عبد الرؤوف في مسرحية «يوسف ترومبيلدور». يرتبط راغب أيضاً بعلاقة حب مع فتاة يهودية تدعى أبيغيل. نقرأ نقاشاً حيوياً في حفلة رجوع راغب إلى الوطن في منزل والدته بين من يرون أن اليهود جاؤوا إلى فلسطين لطرد سكانها العرب منها، وأولئك الذين يمتدحون المزايا المتفوقة لليهود. يفشل راغب على كل حال في إقناع أعضاء الجمعية الإسلامية المسيحية المحلية حول صحة محبة اليهود أو السعي لصداقتهم. ينتقد أعضاء الجمعية راغب لنشره مقالاً يقف بجانب حق عودة اليهود إلى فلسطين. يعجب راغب لاحقاً في طريقه إلى تل أبيب بالنجاح اليهودي في زراعة الأراضي واستصلاحها. يلقي بعدها المحاضرات في مستشفى تل أبيب على الجميع حول نظريته التي تقول بأن الأسباط العشرة المفقودة تمثل في حقيقة الأمر أولئك المسيحيين العرب، وربما تمثل أيضاً المسلمين العرب في فلسطين. يتزوج راغب فيما بعد من أبيغيل، ولكنه يتعرض للطعن حتى الموت على يدي أحد البدو. ولكنه كان مقتنعاً في الحقيقة بأن حياته وعمله لم يذهبا سدى.
كتبت هذه الرواية السطحية لخدمة هدف إنساني سام، التفاهم بين اليهود والعرب. تظهر بعض عناصر السيرة الذاتية في الرواية بكل وضوح: راغب هو بروتستانتي عربي يخبرنا بأنه درس الفنون المسرحية في بودابست مع أوسكار بيرجي، الأستاذ المعروف في الفنون المسرحية. يعود إلى منزل أهله في حيفا، حيث يذكرنا في بداية الرواية بعودة ضومط إلى حيفا في عام 1923. تتضمن أعمال راغب الأدبية كتابات حول اليهودية والصهيونية، المواضيع التي تشكل نسبة كبيرة من أعمال ضومط الأدبية أيضاً. يحمل تعاطف راغب مع اليهود والصهيونية الكثير من سمات تعاطف ضومط نفسه. تمثل انطباعات راغب القوية حول تل أبيب أصداء لانطباعات وحماسة ضومط نفسه، التي نشرها في مقال بعنوان "حلم تل أبيب". يعلّق راغب أيضاً على الأسباط العشرة المفقودة، والتي تناولها ضومط في مقال آخر (نشر كلا المقالين بالعبرية).
أنتجت مسرحية «لثام العناية - The Veil of Anaya» (المطبوعة على الآلة الكاتبة ثم على الميموغراف) في برلين في عام 1929 وربما كتبت قبل ذلك بفترة قصيرة. تختلف هذه المسرحية عن العملين الآخرين اللذين تكلمنا عنهما آنفاً في أنها تعالج موضوع الصهيونية قرب نهايتها فقط.
يركز معظم النص على العادات والمعتقدات في شرق الجزائر. تمثل "العناية" شيء يقدمه شخص لشخص آخر لحمايته. تقوم الحبكة على ما يلي: نسيمة على علاقة حب مع فهد، رجل من أصول يهودية، ولكنها تعطي منديلها لرضوان، أخي زوجها، والذي يعتبر هذا المنديل دليلاً على "العناية". يقتل فهد رضوان في مبارزة، ولكنه لا يتمكن من الزواج من نسيمة، حيث يقف دم رضوان حائلاً فيما بينهما. يقنع فهد أفراد القبيلة أن ما اقترفه كان عبارة عن ثأر، وهكذا يسامحونه بل ويختارونه ليكون زعيمهم. يرفض فهد ويفضل الهجرة إلى فلسطين التي يرغب بإعادة إعمارها مع اليهود الآخرين.
تخلص ضومط من هذه النهاية الموجودة في النسخة المطبوعة عندما عدل النسخة على الميموغراف، ربما لخوفه من الاضطرابات التي بدأت في فلسطين في 1929. أدى هذا التغيير إلى تخفيف حدة النهاية في المسرحية، ولكن هذا يظهر بوضوح المشاكل التي يعانيها كاتب عربي يكتب عن فلسطين وعن الصهيونية. وفي جميع الأحوال عرضت المسرحية في برلين في عام 1929.
درس مسرح هابيما في تل أبيب فكرة عرض المسرحية ولكنه تخلى عن هذه الفكرة نزولاً عند نصيحة حاييم ارلوسوروف وموشي شاريت.
في الختام، لا بد أن نلاحظ أنه من المحتمل أن كلاً من عبد الرؤوف في مسرحية «يوسف ترامبيلدور» وراغب في الرواية، مع أن الأول عبارة عن شيخ قروي والثاني شاب مثقف ثقافة أوروبية، يمثلان التعاطف الشخصي الذي يكنه ضومط للصهيونية. ربما يكون تعرض كليهما في هذين العملين إلى الاغتيال في النهاية يمثل علامة على أن ضومط كان خائفاً من أن حياته قد تنتهي بنفس الطريقة، ومن هنا جاء التغيير في نهاية مسرحية der Annayaschlier. قد يكون من الصعب تقدير مدى التأثير الذي خلفته أعمال ضومط، ولكنها على الأرجح قد وصلت إلى بعض القراء العرب الذين يقرؤون الألمانية في فلسطين وفي الخارج، والذين لم يكن عددهم كبيراً في النهاية.
سافر ضومط إلى برلين في عام 1939 وأمضي أعوامه الأخيرة فيها. ولا يعود توظيفه من قبل وزارة الخارجية في ألمانيا النازية وفي الراديو الحكومي كمترجم خلال سنوات الحرب إلى ضرورات اقتصادية على ما يبدو، بل ربما يعود إلى يأسه من التقارب بين العرب واليهود في فلسطين.