13 Mar
13Mar

ترجمة: عماد الأحمد



  ولد فريدريك ويليام براون في مدينة سينسيناتي بولاية أوهايو في عام 1906 (وتوفي في 1972)، ونشر أول رواياته بعد نشر الكثير من القصص القصيرة في عدة مجلات في عام1937 بعنوان "Monday's Off Night" 

 أشاد بريادة براون في كتابة قصص الخيال العلمي القصيرة كبار كتاب الخيال العلمي في هذا القرن مثل دوغلاس آدامز، وستيفن كينغ، ونيل غيمان، وفيليب ك. ديك. واقتبس منه ستيفن هوكينغ العديد من العبارات، كما اقتُبست قصصه في الكثير من أعمال غيرومو ديل تورو السينمائية، وحتى في سلسلة ستار تريك الشهيرة.  

ترك براون بصماته الواضحة على فن القصة القصيرة والخيال العلمي، بل حتى على العلم نفسه.

 ومن أشهر قصصه القصيرة قصة "الطرقة" التي تعد ومضة عميقة وذكية تمثل صلب أسلوب براون، والتي لم تتجاوز العبارتين:    

"جلس آخر رجل على وجه الأرض وحيدًا في غرفة. وسمع طرقة على الباب..."


"إجابة"  


لحَمَ دوان إيف الوصلة النهائية بالذهب بطريقة احتفالية، ورصدته عشرات كاميرات التلفاز، ونُشرتْ مئات الصور لهذا الحدث في جميع أنحاء الكون.    

 وضع دوار إيف، كما تشاهدون على الشاشة، اللمسات الأخيرة على الحاسوب العملاق ذي الأبعاد المجرّية. يمثل هذا الحاسوب شبكة من الذكاء الاصطناعي سوف تربط الحضارة بأكملها بمجرد مفتاح واحد. إذ يربط هذا المفتاح وبضربة واحدة، جميع آلات الحوسبة العملاقة لجميع الكواكب المأهولة بالسكان في الكون، ستة وتسعين مليار كوكب، في دارة فائقة ستوصلهم جميعًا بحاسوب فائق، عبارة عن آلة واحدة سايبرانية تجمع معارف جميع الكواكب والمجرّات.  

 تفرّس للحظة في تريليونات المشاهدين، وعيونهم ملتصقة بشاشاتهم في هذه المناسبة العظيمة.  وأدار المفتاح.   

صدرَ طنينٌ عظيمٌ، عبارة عن دفعةٍ هائلةٍ من الطاقة من ستة وتسعين مليار كوكب.  

وَمَضَتْ الأضواء وهدأت على طول اللوحة الذي يبلغ أميالًا. ومع سريان الحياة في الآلة، تراجَعَ دوان إيف وجهّز السؤال الأول مع شريكه دوار رين.   

قال دوار رين: "شكرًا، لا بد أن يكون السؤال من النوع الذي لم تستطع أي آلة سيبرانية الإجابة عليه من قبل".  

 استدار دوان إيف ليواجه الآلة وسأل:   

 "هل هناك إله؟"   

وبدون تردد أجابه صوتٌ هائل مدوٍ:  

 "نعم، الآن هناك إله".  

 ظهر خوف مفاجئ على وجه دوار إيف ثم قفز مسرعاً وسحبَ المفتاح.   

التمعتْ صاعقةٌ من البرق في السماء الصافية، وانطفأتْ الآلة.


     http://ludovicobonandavinci.altervista.org/home/Tesina/html/aswer.html                                       


    سحر الفودوو  

عادت زوجة السيد ديكر للتوّ من رحلتها التي قضتها في هايتي. قررت الذهاب بمفردها لمنحهما فترة تهدئة قبل مناقشة قرار الطلاق. لم تُحقّق الرحلة هدفَها بالطبع. فقد وجدا الآن أنهما يكرهان بعضهما البعض أكثر من السابق.  

 "النصف" هذا ما قالته السيدة ديكر بحزم: "لن أقبل أي شيءٍ أقلّ من نصفِ المال، بالإضافة إلى نصف الممتلكات".  قال السيد ديكر: "يا للسخافة!". 

"سخافة؟ يمكنني كما تعلم الحصول على كل شيء، وبسهولة تامة أيضًا. لقد تعلّمت (الفودوو) أثناء وجودي في هايتي".   

رد السيد ديكر: "يا للقماءة!".  

"عليك أن تفرح لأنني امرأة صالحة، فأنا قادرة على قتلك بسهولة إذا ما رغبت بذلك. وعندها سأحصل على كل الأموال والعقارات دون أي خوف من العواقب. فلا أحد يستطيع التمييز بين الموت الطبيعي بقصور القلب والموت بواسطة الفودوو".   

رد السيد ديكر: "يا للهراء!". 

"هراء؟ لديَّ شمعٌ ودبّوس. أعطني خصلةً من شعرك أو شيءٍ من أظافرك، هذا كلّ ما أحتاجه، وعندها سأريك". 

قال السيد ديكر: "كلام فارغ!". 

"إذن، هل لديك مانع في أن أجرّب؟ ولأنني متأكدة سأقدم لك عرضاً. إذا لم أتمكّن من قتلكَ، سأمنحك الطلاق ولن أطلب منك أي شيء. وإذا نجحتُ أحصلُ على كلّ شيء تلقائياً" 

رد السيد ديكر: "اتفقنا، اجلبي الشمع والدبوس" ثم نظر إلى أظافره. "أظافري قصيرة للغاية، سأعطيكِ بعض الشَّعر".    

عندما جاء ببضع خصلاتٍ من الشعر في غطاءِ علبة أسبرين، عجنتْ السيدة ديكر الشعر بالشمع، ثم شكّلته على شكل دمية غليظة لإنسان. قالت: "سوف تندم" وشكّت الدبوس في صدر تمثال الشمع. تفاجأ السيد ديكر، ولكنه غرق في السعادة أكثر من الندم. 

لم يكن السيد ديكر يؤمن بالفودوو، ولكنه لم يكن ليخاطر بالحذر المعروف عنه. كما أنه طالما انزعج من عادات زوجته التي نادراً ما كانت تنظّفُ فرشاة شعرِها.

 فريدريك براون، أعظم مئة قصة قصيرة خيالية، الفودوو، آفون بوكس، 1984  (F. Brown، Voodoo، in 100 Great Fantasy Short Stories، Avon Books، 1984)     



                                                                  "السلاح"    

 كانت الغرفة هادئة مع انسدال المساء. جلس الدكتور جيمس غراهام، أحد العلماء الكبار في مشروع مهم للغاية، على كرسيّه المفضل مُفكّرًا. غمَرَ الهدوء المكان لدرجة أنه كان لا يزال يسمع تقليب الصفحات في الغرفة المجاورة، حيث كان ابنه يتصفّح كتابًا مُصوّرًا.  

لطالما توصّل غراهام إلى أفضل أفكاره وإبداعاته في هذه الظروف، جالسًا بمفرده في غرفةٍ غير مضاءة في شقّتِه الخاصة بعد الأعمال اليوميّة المعتادة. ولكنَّ عقلَهُ هذه الليلة لن يعمل على نحو خلّاق. في الغالب كان يُفكّرُ في ابنه الوحيد – المُعاق - في الغرفة المُجاورة. غرق في أفكاره الدافئة، والتي لا تشبه ذلك الألم المرير الذي شَعَر به منذ سنواتٍ عندما عَلِمَ بحالةِ الصبيّ لأوّل مرّة. كان الولد سعيداً. أليس هذا المهم؟ ومن الذي يُرزقُ بطفلٍ سيبقى طفلاً دائماً، طفلٌ لن يكبرَ ويترُكُه في النهاية؟ كان هذا تفكيراً عقلانياً بالتأكيد، ولكن ما هي المشكلة في التبرير عندما ...ورنَّ جرسُ الباب.  نهض غراهام وأضاء الأنوار في الغرفة شبه المظلمة قبل أن يمر عبر الردهة إلى الباب. لم يتضايق، لأنه لم يكن يمانع في الحقيقة بأي مقاطعة الليلة.  فتحَ الباب. وجدَ شخصاً غريباً واقفاً هناك. قال: "دكتور غراهام؟ اسمي نيماند، أود أن أتحدّث معك. هل لي بلحظة؟"  

 نظر إليه غراهام. كان رجلاً ضئيلاً بملامح عادية، ومن الواضح أنه غير مؤذٍ - ربما كان مراسلًا أو وكيل تأمين. لم يهتم بالتفكير بخلفيته، بل وجد نفسه يقول: "بالطبع، تفضل يا سيد نيماند". قال لنفسه إن بضع دقائق من الحديث قد تهدّئُ أفكاره وتصفّي عقله. وفي غرفة المعيشة بادرَهُ: "اجلس، هل ترغب بمشروب؟" قال نيماند: "لا، شكرًا". وجلس على الكرسي وجلس غراهام مقابله على الأريكة. شابك الرجل الضئيل أصابعه وانحنى قليلاً وقال:  

"دكتور غراهام، أنت الرجل الوحيد من بين كل البشر، الذي من المرجح أن يؤدي عمله العلمي لإنهاء فرص بقاء الجنس البشري". 

قال غراهام لنفسه يا له من أهبل. لقد أدركَ بعد فواتِ الأوانِ أنّه كان عليه أن يسأل عن عمل الرجل قبل يسمح له بالدخول. ستكون مقابلة محرجة. لم يكن يحب أن يكون فظًا، ولكن لم يعد أمامه سوى القليل من الوقاحة ليتخلّص من الموقف.   

 "دكتور غراهام، السلاح الذي تعمل عليه ..."   

توقّف الزائر عن الكلام والتفتَ عندما انفتح باب غرفة النوم، ودخل صبي في الخامسة عشرة من عمره. لم يلاحظ الصبي نيماند، وركض باتجاه غراهام. ضحك الصبي البالغ من العمر خمسة عشر عامًا ضحكةً عذبةً لطفل في الرابعة من عمره:  "أبي، هل ستقرأ لي الآن؟"  

لفّ غراهام ذراعه حول الصبي، ونظر إلى زائره متسائلاً عما إذا كان على علم بوضع الصبي. شعر غراهام من انعدام المفاجأة على وجه نيماند بأنه كان يعلم بوضعه.   "هاري" - كان صوت غراهام دافئًا وعاطفيًا "بابا مشغول جدًا الآن، عد إلى غرفتك، لن أطيل عليك وسآتي لأقرأ لك قريبًا". 

"قصة ليتل تشيكن؟ ستقرأ لي قصة الدجاجة الصغيرة؟" 

"لمَ لا، تحرّك الآن. هاري، أقدم لك السيد نيماند".   

ابتسم الصبي بخجلٍ للزائر. قال نيماند: "مرحبًا يا هاري" وابتسم مرة أخرى نحوه ومدّ يده. تأكّد غراهام الآن من أن نيماند كان يعلم، فالابتسامة والإشارة كانتا لعمرِ الصبي العقلي، وليس عمره الجسدي. أمسك الصبي بيد نيماند. وللحظة بدا أنه سيقفز إلى حضنه فسحبه غراهام برفق. قال: "إلى غرفتك الآن يا هاري". قفز الصبي عائداً إلى غرفة نومه ولم يغلق الباب. قابلت عينا نيماند عيني غراهام، فقال بإخلاص واضح "يا له من طفل" وأضاف: "أتمنى أن يكون ما ستقرؤه له دائمًا منطقيًا وصحيحًا". لم يفهم غراهام فقال نيماند: " ليتل تشيكن، أعلم أنها قصة رائعة، ولكن ليتل تشيكن مخطئة فيما يتعلّق بانطباق السماء على الأرض".  

فجأة أحبّ غراهام نيماند عندما أبدى إعجابه بالصبي، ولكنه تذكّر في الوقت نفسه أن عليه إنهاء هذه المقابلة بسرعة، فنهضَ مؤذِناً بانتهائها.  

 قال: "أخشى أنك تضيع وقتك ووقتي يا سيد نيماند. أعرف كل الحجج المضادة، فكل ما ستقوله قد سمعته ألف مرة. ربما هناك حقيقة فيما تؤمن به، ولكنها لا تقلقني. أنا عالم وحسب. يعلم الجميع أنني أعملُ على مشروع السلاحٍ، وهو سلاح خارق إلى حدّ ما. ولكن هذه المسألة تمثّل لي شخصياً مجرّد نتيجة جانبية لحقيقة أنني أعمل على تطوير العلم.  لقد فكّرتُ جيداً في كلّ هذا، ووجدتُ أن هذا ما يهمني وحسب". 

"لكن، هل البشرية مستعدة لسلاح خارق اليوم يا دكتور غراهام؟" عبَسَ غراهام. "لقد أخبرتك بوجهة نظري يا سيد نيماند".  

نهض نيماند ببطء من الكرسي وقال: "إذا كان خيارك ألا تناقش الأمر، فليس لدي المزيد لقوله" ومرّر  يده على جبهته. "سأرحل يا دكتور، ولكنني أتساءل مع ذلك... هل يمكنني تغيير رأيي بشأن المشروب الذي قدّمته لي؟"   

هدأت سريرةُ غراهام وقال: "بالتأكيد، ما رأيكَ بالويسكي والماء؟" 

"لمَ لا". 

اعتذرَ غراهام ودخَلَ المطبخ. جلبَ دورقَ الويسكي، وكأسًا من الماء ومكعّبات الثلج والكؤوس. عندما عاد إلى غرفة المعيشة، كان نيماند يغادر غرفة نوم الصبي. لقد سمع عبارة نيماند:  "ليلة سعيدة يا هاري" وردّ هاري عليه "ليلة سعيدة يا سيد نيماند".   

حضّر غراهام المشروبات، وقال نيماند: "لقد سمحت لنفسي أن أجلب هدية صغيرة لابنك يا دكتور. لقد أعطيته إياها بينما كنت تُحضّر لنا المشروبات. أتمنى أن تسامحني على هذا". 

"بالطبع. شكراً. ليلة سعيدة".   

أغلق غراهام الباب وعبر غرفةَ المعيشة إلى غرفة هاري وقال: "حسنًا يا هاري. الآن سأقرأ لك ..."  

 تعرّقتْ جبهتُه فجأة، ولكنه كَظَمَ غيظَه وهدّأ من عبوسه وصوته وهو يخطو باتجاه السرير. 

"هل لي أن أرى ما بيدك يا هاري؟" وعندما أخذ الهدية بهدوء، ارتجفت يدُه وهو يتفحّصُها.   

قال لنفسه بحزم، لا أحد سوى المجنون يعطي مسدسًا محشوًا لطفلٍ متخلِّفٍ عقليّاً.


      فريدريك براون، السلاح، خمسون قصة قصيرة من الخيال العلمي، منشورات ستريت آند سميث، 1951 (F. Brown, The Weapon, in Fifty Short Science Fiction Tales, Street and Smith Publications, 1951)     

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.