05 Aug
05Aug

القبر الأنيق في ضيعتنا قبر يتباهى أصحابه بأنه معمر بالخفان أو البلوك …

جدتي الأنيقة أيضاً لديها قبر..عملت خالاتي على تطيينه باللِّبْن …

يرى الجميع أن البيت الأنيق في تلك الفترة بيت مطين باللِّبْن (طين وماء وتبن) ..لذلك كانت وصيتها الأهم “طينوه ..اللِّبْن بارد في الصيف..ودافئ في الشتاء”. 

حلفت خالتي سارة أن اللِّبْن حي يرزق ويتنفس لذلك حرصت على سقاية قبر أمها دورياً…حلفت خالاتي الأخريات أن التنفس كان مسموعاً ..وأن التبن الذي يشكل نسبة كبيرة من اللِّبْن كان يحتوي على حبة قمح يتيمة عسلية بلون عيني جدتي الأنيقة…وأن هذه السنبلة السامقة الوحيدة التي تطاولت على غرة القبر، شعرُها بنيٌ مصفر مثل شعر جدتي الأنيقة أيضاً…

تلك جدتي لأمي..قال العارفون أن قبر جدي لأبي قريب منها أيضاً .. لا أعرف القبر بدقة لأنني لا أذهب إلى المقبرة أبداً… المقبرة كما درجت العادة على طرف القرية والطريق إليها طويل وموحش ومخيف ولا بد كما جرت العادة أيضاً أن يحتوي الطريق على الحفر والحجارة الزلقة..بقية القبور فيها مطلية بطلاء أبيض .. لا أعلم لماذا … ربما لو كانت القبور بنية لظهرت أكثر قرباً من الجو المحيط بها.. تخيل معي قرية من بيوت اللِّبْن ..مقبرة من قبور اللِّبْن .. أموات وأحياء يعيشون في بيوت متشابهة… لا جديد …لا أعرف الكثير من الأموات فيها… سوى بعض الخدج الذين ولدوا قبل ميعادهم فاضطر أخوالي لدفنهم فيها ليبقوا في المدى الحيوي للقرية..وليبق الكثير من أخوالي يضيفون أطفالهم المدفونين هناك إلى عائلاتهم عندما يسألهم أي كان عن عدد أفراد الأسرة… لقد منحوهم أسماء أيضاً.. القرية حلقة متتالية من الأحياء والأموات الذين يعيشون مع بعضهم البعض…

 لم تحتو المقبرة على الكثير من الغرباء..ربما بعض الأكراد المهاجرين من المحل الشمالي .. كما تحتوي على قبر شرفي لإطفائيين قضوا في اللاذقية في إطفاء حريق إحدى الغابات هناك.. قبر على شرف الدولة شارك في تدشينه المحافظ ومدير المنطقة ومدير الناحية والأكابر من الوجوه الغانمة.. ولم يلق أحد منهم نظرة على بقية القبور… 

طبيعي …ليست قبوراً شرفية مدشنة بمهمة مكتوبة…فشلتُ طبعاً في طفولتي في الكثير من الرهانات على المرور في الطريق المؤدي إليها وخصوصاً إذا كان الرهان أن تمر بمحاذاة الجامع الذي يركن التابوت العمومي للقرية على بابه صيفاً شتاءً..


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.